الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال شرف الدين بن أسد:
وقال بعضهم: وقال غيره: وقال آخر: يا ابن آدم أين الأولون والآخرون، أين نوح شيخ المرسلين، أين إدريس رفيع رب العالمين، أين إبراهيم خليل الرحمن، أين موسى الكليم من بين سائر النبيين، أين عيسى روح الله وكلمته رأس الزاهدين، وإمام السائحين، أين محمد خاتم النبيين، أين أصحابه الأبرار، أين الأمم الماضية، أين الملوك السالفة، أين القرون الخالية، أين الذين نصبت على مفارقهم التيجان، أين الذين قهروا الأبطال والشجعان، أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب، أين الذين تمتعوا باللذات والمشارب، أين الذين تاهوا على الخلائق كبرًا وعتيًا، أين الذين راحوا في الحلل بكرة وعشيًا، أين الذين اغتروا بالأجناد، أين أصحاب الوزراء، والقواد، أين أصحاب السطوة والأعوان، أين أصحاب الإمرة والسلطان، أين أصحاب الأعمال والولايات، أين الذين خفقت على رؤوسهم الألوية والرايات، أين الذين قادوا الجيوش والعساكر، أين الذين عمرو القصور والدساكر، أين الذين أعطوا النصر في موطن الحروب، والمواقف، أين الذين آمنوا بسطوتهم كل خائف، أين الذين ملأوا ما بين الخافقين فخرًا وعزًا، أين الذين فرشوا القصور حريرًا وقزًا، أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا هل تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ذكرًا، أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصوا إلى ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم لم ينفعهم ما جمعوا ولا أغنى عنهم ما اكتسبوا أسلمهم الأحباء والأولياء وهجرهم الإخوان الأصفياء، ونسيهم الأقرباء والبعداء لو نطقوا لأنشدوا: وقالوا: لا فخر فيما يزول، ولا غنى فيما لا يبقى، وهل الدنيا إلا كما قال بعض الحكماء المتقدمين: قدر يغلي وكيف يملي، وفي هذا المعنى قال الشاعر: ولقد أصاب ابن السماك حيث قال للرشيد لما قال له عظني، وكان بيده شربة ماء فقال له: يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك، قال: نعم، قال يا أمير المؤمنين: لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها؟ بملكك؟ قال: نعم، فقال له: لا خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة. وقال ابن شبرمة: إذا كان البدن سقيمًا لم ينفعه الطعام، وإذا كان القلب مغرمًا لم تنفعه الموعظة، وروي أن أبا العتاهية مر بدكان وراق وإذا بكتاب فيه: فقال: لمن هذا البيت. فقيل: لأبي نواس قاله للخليفة هارون الرشيد حين نهاه عن حب الجمال وعشق الملاح، فقال: وددت أنه لي بنصف شعري.وممن استبصر من أبناء الملوك فرأى عيب الدنيا وتقضيها وزوالها، إبراهيم أدهم بن منصور، كان من أبناء ملوك خراسان من كورة بلخ، لما زهد الدنيا زهد في ثمانين سريرًا. قال ابن بشار: سألت إبراهيم بن أدهم: كيف كان بم! أمرك حتى صرت إلى هذا؟ فقال: كان أبي من ملوك خراسان وكان قد حبب إلي الصيد، فبينا أنا راكب فرسي وكلبي معي إذ رأيت ثعلبًا أو أرنبًا، فحركت فرسي نحوه، فسمعت نداء من ورائي: يا إبراهيم ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أر أحدًا، فقلت: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي، فسمعت نداء أعلى من الأول: يا إبراهيم ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أر أحدًا، فقلت: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي، فسمعت النداء من قربوس سرجي: يا إبراهيم ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فوقفت وقلت: هيهات جاءني النذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي ما عصمني بعد يومي هذا، فتوجهت إلى أهلي وخلفت فرسي وجئت إلى بعض رعاة أبي، فأخفت جبته وكساءه وألقيت إليه ثيابي، فلم أزل أرض تقلني وأرض تضعني حتى صرت إلى العراق فعملت بها أيامًا فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقال: عليك بالشام، قال: فانصرفت إلى بلد يقال لها المنصورية، فعملت بها أيامًا، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقال: إن أردت الحلال، فعليك بطرسوس، فإن المباحات بها والعمل فيها كثير، فانصرفت إليها. قال: فبينا أنا قاعد على باب البحر إذ جاءني رجل فاكتراني أنظر له بستانًا، فتوجهت معه، فأقمت في البستان أيامًا كثيرة، فإذا خادم له قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان بخادم ما نظرته، فقعد في مجلسه ثم قال: يا ناطورنا، فأجبته. قال: اذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه وأطيبه. فأتيته برمان، فكسر الخادم واحدة، فوجدها حامضة، فقال: يا ناطورنا أنت منذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ولا تعرف الحلو من الحامض؟ فقلت والله ما أكلت من فاكهتكم شيئًا، ولا أعرف الحلو من الحامض. قال: فغمز الخادم أصحابه، وقال: ألا تعجبون من هذا، ثم قال لي: لو كنت إبراهيم بن أدهم ما كنت بهذه الصفة، قال: ثم تحدث الناس بذلك، وجاءوا إلى البستان، فلما رأيت كثرة الناس اختفيت والناس داخلون، وأنا هارب منهم، وكان يأكل من كسب يده، وكان يحصد ويحفظ البساتين ويعمل في الطين، فبينما هو يومًا يحرس كرمًا إذ مر به جندي فقال: أعطنا من هذا العنب، فقال له: إن صاحبه لم يأذن لي، فضربه بالسوط فطأطأ رأسه وقال: اضرب رأسًا طالما عمى الله يا سيدي الجندي، فاستحى الرجل وتركه ومضى.وروي أن داود عليه الصلاة والسلام بينما هو في الجبال إذ مر على غار فيه رجل عظيم الخلقة من بني آدم ملقى على ظهره وعند رأسه حجر محفور مكتوب فيه: أنا دوسم الملك، تملكت ألف عام وفتحت ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وافتضيت ألف بكر من بنات الملوك ثم صرت إلى ما ترى التراب فراشي والحجر وسادي فمن رآني فلا تغره الدنيا كما غرتني. وقال وهب بن منبه: خرج عيسى عليه الصلاة والسلام ذات يوم مع أصحابه، فلما ارتفع النهار مروا بزرع قد أفرك. فقالوا: يا نبي الله إنا جياع فأوحى الله تعالى إليه أن ائذن لهم في قوتهم. فأذن لهم، فتفرقوا في الزرع يفركون ويأكلون، فبينما هم كذلك إذ جاء صاحب الزرع يقول: زرعي وأرضي ورثتها من أبي وجدي، فبإذن من تأكلون يا هؤلاء؟ قال: فدعا عيسى ربه أن يبعث جميع من ملكها من لدن آدم إلى تلك الساعة، فإذا عند كل سنبلة ما شاء الله من رجل، وامرأة يقولون: أرضنا ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، ففر الرجل منهم، وكان قد بلغه أمر عيسى ولكن لا يعرفه، فلما عرفه قال معذرة إليك يا نبي الله لم أعرفك زرعي ومالي حلال لك، فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال: ويحك هؤلاء كلهم ورثوها وعمروها، ثم ارتحلوا عنها، وأنت مرتحل عنها ولا حق بهم، ليس لك أرض ولا مال. ولما مات اسكندر قال ارسطاطاليس: أيها الملك لقد حركتنا بسكوتك، وقال بعض الحكماء من أصحابه: لقد كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس، أخذه أبو العتاهية فقال: وقال عبد الله بن المعتز: وقال عبد الله بن المعلم: خرجنا من المدينة حجاجًا فإذا أنا برجل من بني هاشم من بني العباس بن عبد المطلب قد رفض الدنيا، وأقبل على الآخرة، فجمعتني وإياه الطريق، فأنست به وقلت له: هل لك أن تعادلني، فإن معي فضلا من راحلتي، فجزاني خيرًا وقال: لو أردت هذا لكان سهلا، ثم أنس إلي فجعل يحدثني فقال: أنا رجل من ولد العباس كنت أسكن البصرة وكنت ذا كبر شديد ونعمة طائلة ومال كثير وبذخ زائد، فأمرت يومًا خادمًا لي أن يحشو لي فراشًا من حرير ومخدة بورد نثير ففعل، فأتى لنائم إذا بقمع وردة قد نسيه الخادم، فقمت إليه فأوجعته ضربًا، ثم عدت إلى مضجعي بعد إخراج القمع من المخدة، فأتاني آت في منامي في صورة فظيعة فهزني وقال: أفق من غشيتك وانتبه من رقدتك، ثم أنشأ يقول: فانتبهت مرعوبًا وخرجت من ساعتي هاربًا إلى ربي كما تراني ثم أنشأ يقول: قال وهب بن منبه: أصبت على قصر غمدان وهو قصر سيف بن ذي يزن بأرض صنعاء اليمن وكان من الملوك الأجلة مكتوبًا بالقلم المسندي فترجم بالعربي فإذا هي أبيات جليلة وموعظة عظيمة وجليلة وهي هذه الأبيات: وروي أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان معه صاحب في بعض سياحاته فأصابهما الجوع وقد انتهيا إلى قرية فقال عيسى عليه الصلاة والسلام لصاحبه: انطلق فاطلب لنا طعامًا من هذه القرية، وأعطاه ما يشتري به، فذهب الرجل وقام عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي، فجاء بثلاثة أرغفة، فقعد ينتظر انصراف عيسى من الصلاة فأبطأ عليه، فأكل رغيفًا وكان عيسى عليه الصلاة والسلام رآه حين جاء ورأى الأرغفة ثلاثة، فلما انصرف من صلاته لم يجد إلا رغيفين، فقال له: أين الرغيف الثالث. فقال الرجل: ما كانا إلا رغيفين، فأكلاهما. ثم مرا على وجوههما حتى أتيا على ظباء ترعى فدعا عيسى عليه الصلاة والسلام واحدًا منها، فجاء فذكاه وأكلاه منه. فقال له عيسى: بالذي أراه هذه الآية من أكل الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا اثنين. ثم مرا على وجوههما حتى جاءا قرية فدعا عيسى ربه أن ينطق له من يخبره عن حال هذه القرية، فأنطق الله له لبنة، فسألها عيسى فأخبرته بكل ما أراد، وصاحبه يتعجب مما رأى، فقال له عيسى: بحق من أراك هذه الآية: من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا اثنين. فمرا على وجوههما حتى انتهيا إلى نهر عجاج، فأخذ عيسى صلوات الله عليه بيد الرجل ومشى به على الماء حتى جاوز النهر، فقال الرجل: سبحان الله، فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: بالذي أراك هذه الآية: من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا اثنين. فمرا على وجوههما حتى أتيا قرية عظيمة خربة، وإذا قريب منها ثلاث لبنات عظام، وقيل ثلاثة أكوام من الرمل، فقال لها: كوني ذهبًا بإذن الله، فكانت، فلما رآها الرجل قال: هذا مال، فقال عيسى، نعم واحدة لي وواحدة لك وواحدة لصاحب الرغيف الثالث، فقال الرجل: أنا صاحب الرغيف الثالث، فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: هي لك كلها، ثم فارقه عيسى، وأقام الرجل ليس معه ما يحملها عليه، فمر به ثلاثة نفر فقتلوه، فقال اثنان منهما للثالث: انطلق إلى القرية فأتنا بطعام، فانطلق فلما غاب قال أحدهما للآخر: إذا جاء قتلناه وأقتسمنا المال بيننا، فقال الآخر نعم، وأما الذي ذهب ليشتري الطعام فإنه أضمر لصاحبيه السوء، وقال أجعل لهما في الطعام سمًا فإذا أكلاه ماتا وأخذ المال لنفسي، فوضع السم في الطعام وجاء فقاما إليه فقتلاه وأكلا الطعام، فماتا، فمر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام وهم مصروعون حولها فقال: هكذا الدنيا تفعل بأهلها. وقال الهيثم بن علي: وجد غار في جبل لبنان زمن الوليد بن عبد الملك وفيه رجل مسجى على سرير من الذهب وعند رأسه لوح من الذهب أيضًا مكتوب فيه بالرومية: أنا سبأ بن نواس خدمت عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الرب الأكبر، وعشت بعده دهرًا طويلا ورأيت عجبًا كثيرًا ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت، وهو يرى مصارع آبائه ويقف على قبور أحبابه، ويعلم أنه صائر إليهم، ثم لا يتوب، وقد علمت أن الأجلاف الجفاة يستنزلوني عن سريري ويتولونه وذلك حين يتغير الزمان ويكثر الهذيان ويترأس الصبيان، فمن أدرك هذا الزمان عاش قليلا ومات ذليلا. وعن عمرو بن ميمون أنه قال: افتتحنا مدينة بفارس فدللنا على مغارة فيها بيت فيه سرير من الذهب عليه رجل عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام ملك فارس، كنت أغناهم بطشا، وأقساهم قلبًا، وأطولهم أملا، وأحرصهم على الدنيا، قد ملكت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش وأذللت الجبابرة وجمعت من الأموال ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم أستطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي، ويروى في الإسرائيليات أن عيسى عليه الصلاة والسلام بينما هو في سياحته إذ مر بجمجمة نخرة، فسأل الله أن تتكلم فأنطقها الله له فقالت: يا نبي الله: أنا بلوان بن حفص ملك اليمن عشت ألف سنة ورزقت ألف ولد وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش وفتحت ألف مدينة، فما كان كل ذلك إلا كحلم النائم، فمن سمع قصتي فلا يغتر بالدنيا. فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام بكاء شديدًا حتى غشي عليه. ووجد مكتوب على قصر قد خربت أركانه وبادت أهله وأظلمت نواحيه هذه الأبيات: وقيل في المعنى: وفيه:
|